بقلم: مرام سعيد أبو عشيبة
ماجستير في تفسير القرآن الكريم كاتبة ومؤلفة أردنية
قال تعالى: {فأسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وإنه لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} ( سورة الزخرف: آية٤٣-٤٤).
لقد أمرنا الله عز وجل أن نستمسك بكتابه بقوة وحزم كما أمرنا بالربط على القلوب والأفئدة والأرواح والجوارح بالعمل بما أمرنا الله والانتهاء عما نهى، فلا نتعدى ولا نتجاوز ولا نتجرأ على ما فيه من تعاليم ربانية وهدايات قرآنية؛ سنسأل عنها ذات يوم عند الوقوف بين يدي الملك العدل ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة.
جاء في تفسير “جامع البيان عن تأويل آي القرآن” للطبري: يقول تعالى ذكره لنبيه -محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم-: فتمسك يا محمد بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك, إِنَّكَ على طريق مستقيم ومنهاج سديد, وذلك هو دين الله الذي أمر به, وهو الإسلام؛ وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه, وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه, وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه.
وهذا الاستمساك هو أمر رباني أيضا للنبي يحيى – عليه السلام- بأن يأخذ بالتوراة المنزلة على النبي موسى -عليه السلام- بقوة وجد قال تعالى:{يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} ( سورة مريم: آية ١٢).
أيها المؤمن استمسك بكتاب الله وبكل ما يرقى به العقل واستمسك بمبادئ وقيم وقناعات ومُثل منهج وقانون الله عز وجل وعقيدته وشريعته وتعلق بها كما تتعلق بالحبل بكل قوة وإصرار واجتهاد وثبات ولا تنفصل عنها ؛ وإياك أن تميل عن طريق الله ؛ امتثالا لقوله تعالى:(وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ۗ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ){ سورة لقمان: آية٢٢}؛ وكن لنفسك ولغيرك عونا على هذا الاستمساك؛ ودعك من الجهالة والسفاهة وتراجع الدين والفكر والأخلاق والأدب؛ فإن ذلك سيؤدي بك إلى الهاوية فالعالم المتفقه المستمسك بكتاب الله لا يستوي مع الجاهل؛ فإنما يتعظ ويعتبر أصحاب العقول بذلك كما قال تعالى:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) ( سورة الزمر: آية٩).
يقول المفسر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير : لا يستوي الذين لهم علم فهم يدركون حقائق الأشياء على ما هي عليه وتجري أعمالهم على حسب علمهم ، مع الذين لا يعلمون فلا يدركون الأشياء على ما هي عليه بل تختلط عليهم الحقائق وتجري أعمالهم على غير انتظام… والله أعلم .